Saturday, April 6, 2013

بلاغة القرءان في سورة الفاتحة

 1-مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
                                                                                                                
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, فجعله شاهدا ومبشرا ونذيرا, وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا, وجعله أسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر, اللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى آله وأصحابه الأطهار. وبعد :

لا يخفى على أحد منا وفرة الدراسات البيانية التي تناولت القرآن الكريم , ولكني أردت بهذه الورقات أن ألفت أنظار القراء إلى جانب عزت فيه الدلاء , وقلت التأملات , وهو جانب الدراسات الدلالية والبلاغة لأعظم سورة في القرآن . ووقع اختياري على سورة الفاتحة التي يرددها كل المسلمين شرقا وغربا في صلواتهم كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة على أقل تقدير . انطلقت أتلمس جوانبها الدلالة ووجوهها البلاغة مستفيدا من دراسة المفاهيم الكبيرة التي تحويها سورة الفاتحة , من مختلف المصادر التفسيرية والمراجع اللغوية وتفاسير غريب القرآن وغيرها فوجدت مادة علمية ضخمة .

والبحث انحصر في إزالة بعض المستور من هذه الطائف والأسرار البلاغة والدلالية في حروف سورة الفاتحة وكلماتها وتراكيبها العظيمة . آملين أن ينتفع بها المسلمون , وأن يستحوذ القرآن على قلوبهم ويملأ أفئدتهم .




 2-تعريف عام بسورة الفاتحة 

  Ι- قال الله سبحانه وتعالى :

ÉOó¡Î0 «!$# Ç`»uH÷q§9$# ÉOŠÏm§9$# ÇÊÈ
  ßôJysø9$# ¬! Å_Uu šúüÏJn=»yèø9$# ÇËÈ   Ç`»uH÷q§9$# ÉOŠÏm§9$# ÇÌÈ  
Å7Î=»tB ÏQöqtƒ ÉúïÏe$!$# ÇÍÈ   x$­ƒÎ) ßç7÷ètR y$­ƒÎ)ur ÚúüÏètGó¡nS ÇÎÈ   $tRÏ÷d$# xÞºuŽÅ_Ç9$# tLìÉ)tGó¡ßJø9$# ÇÏÈ  
xÞºuŽÅÀ tûïÏ%©!$# |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã ÎŽöxî ÅUqàÒøóyJø9$# óOÎgøn=tæ Ÿwur tûüÏj9!$žÒ9$# ÇÐÈ  
( سورة الفاتحة : 1-8 )






 Π   - من معاني المفردات
 : ثناء جميل على المحمود , ويشاركه الشكر , لكن الحمد أعم من الشكر .ôJysø9$# 1-  
2-  الرب  : هو من اجتمع فيه ثلاث أوصاف : الخلق , والملك , والتدبير : فهو الخالق , المالك لكل شيء ,المدبر لجميع الأمور .  
 : ملحق بجمع المذكر السالم ,  قال العلماء : كل ما سوى الله فهو من العالم .úüÏJn=»yèø9$3-  ا
 : لجميع الخلق .`»uH÷q§9$#4-
 : خاص بالمؤمنين .OŠÏm§9$5- ا
6- المالك   : هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أن يأمر وينهى , ويثبت ويعاقب , ويتصرف بمماليكه بجميع   أنواع التصرفات .

7- يوم الدين  :  هو يوم القيامة , وسمي يوم الدين لأنه يدان الناس فيه بأعمالهم , بالخير والشر , ويظهر للخلق فيه كمال ملك الله وعدله وحكمته , وانقطاع أملاك الخلائق .
 : تبرؤه من الشرك .x$­ƒÎ) ßç7÷ètR8-
 : تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلا بالله رب العالمين . y$­ƒÎ)ur ÚúüÏètGó¡nS9-
 : الهداية إلى الصراط لزوم دين الإسلام , وترك ما سواه من الأديان .xÞºuŽÅ_Ç9$# tLìÉ)tGó¡ßJø9$#10-
 : الجمهور : اليهود .ÅUqàÒøóyJø9$# óOÎgøn=tæ11-
 : هم الذين فقدوا العلم فهم لا يهتدون إلى الحق , بسبب جهلهم وهم النصارى .ûüÏj9!$žÒ9$12- ا

Ш  - المعنى العام

هذه السورة الكريمة مكية وآياتها سبع بالإجماع , وعدد كلماتها خمس وعشرون , وحروفها مائة وثلاث وعشرون حرفا . وتسمى " الفاتحة " لافتتاح الكتاب العزيز بها , حيث إنما أول القرآن في الترتيب لا في النزول . أنها جمعت مقاصد القرآن كله , لهذا كان من أسمائها : أم القرآن وأم الكتاب والأساس . وأما أسماء الآخر لسورة الفاتحة كما يلي : السبع المعاني , والحمد , وسورة الصلاة , والشفاء والشافية , والرقية , وبالواقية , والكافية , والصلاة والكنز , والوافية , وسورة الشكر , وسورة الدعاء.

وهي على قصرها ووجازتها قد حوت معاني القرآن العظيم , واشتملت علي مقاصده الأساسية بالإجمال , فهي تتناول أصول الدين وفروعه , تتناول العقيدة , والعبادة , والتشريع , والاعتقاد باليوم الآخر , والإيمان بصفات الله الحسنى , وإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء , والتوجه إليه جل وعلا بطلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم , والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان ونهج سبيل الصالحين , وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين , وغيها الإخبار عن قصص الأمم السابقين , والإطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء , وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه , إلى غير ما هنالك من مقاصد وأغراض وأهداف , فهي كالأم باللنسبة لبقية السور الكريمة ولهذا تسمى " أم الكتاب " لأنها جمعت مقاصده الأساسية .
 ѴΙ - فضائل سورة الفاتحة

1- سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن
2- الفاتحة رقية
3- لا صلاة لمن يقرأ الفاتحة
4- الفاتحة هي السبع المثاني والقرآن العظيم
5- الفاتحة نور أوتيه رسول الله ولم يؤته نبي من قبله
6- الفاتحة قسسمين قسم لله وقسم لعباده


3- بلاغة القرءان في سورة الفاتحة
1-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :  ÉOó¡Î0 «!$# Ç`»uH÷q§9$# ÉOŠÏm§9$# ÇÊÈ
-         أفادت الحصر : لأن تأخير العامل يفيد الحصر .
-         إطلاق اسم الاسم على المسمى : التقدير فيه : أقراء بالله أي بمعونته وبتوفيقه , ومن جعله التسمية كان التقدير : أتبرك بذكر اسم الله , أو أبتدئ باسم الله أو أقرأ باسم الله , وإما أن يكون اسما فالتقدير حينئذ : ابتدائي باسم الله أو قراءتي باسم الله .

2-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :  ßôJysø9$# ¬! Å_Uu šúüÏJn=»yèø9$# ÇËÈ
-         حسن المطلع والمبادي , ويقال فيه : حسن الافتتاح : وذلك دليل على جودة البيان , وبلوغ المعاني إلى الأذهان , فإنه أول شيء يدخل الأذن , وأول معنى يصل إلى القلب , وأول ميدان يجول فيه تدبر العقل .
-         براعة الاستهلال : وهو أن يذكر الإنسان في أول خطبته أو قصيدته كلاما دالا على العرض الذي يقصده , ليكون ابتداء كلامه دالا على انتهائه .
-         جطاب المدح : وفي كتاب الله منه كثير , حيث أظهر الخطاب القرآني المدح فيه لله ولرسوله وللمؤمنين .
-         باب الحمد والشكر والثناء : وهو ذكر ما في الانسان من المآثر الحسنة والصفات المستحسنة .
-         الاختصاص : في قوله " الله " : اللام هنا للاختصاص , والاستحقاق وللدلالة على أن جميع المحامد مختصة به . فهو مختص بالمعبود بالحق , لم يطلق على غيره .  

3-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :    Ç`»uH÷q§9$# ÉOŠÏm§9$# ÇÌÈ 
-         القصر : إن في قوله تعالى " الرحمن " قصر , فقد بنيت هذه الصفة على فعلان من رحم , كغضبان , لأن معناه الكثرة وذلك لأن رحمته وسعت كل شيء وهو أرحم الراحمين . وأما الرحيم فهي على وزنه فعيل . وإنما ذكر بعد الرحمن لأن الرحمن مقصور على الله , والرحيم قد يكون لغيره , وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم , ولذلك قالوا :  رحمن الدنيا ولآخرة.

4-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :  Å7Î=»tB ÏQöqtƒ ÉúïÏe$!$# ÇÍÈ
-         الإضافة : لزوال المالكين والأملاك عن سواه في ذلك اليوم .
-         الاتساع : فهذا من باب الاتساع , إذ متعلقهما غير اليوم , والتقدير : مالك الأمر كله يوم الدين . والإضافة على طريق الاتساع مجرى مجرى المفعول به .
-         الاحتراس : وهو أن يذكر لفظا ظاهره الدعاء بالخير والنفع , وذلك بما في ضمنه مما يوهم الشر, فيذكر في كلمة تزيل ذلك الوهن .  

5-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :  x$­ƒÎ) ßç7÷ètR y$­ƒÎ)ur ÚúüÏètGó¡nS ÇÎÈ
-         القصر : وذلك لما قدم إياك التي هي مؤلفة من ضميرين . وتقديمه يفيد القصر أي نعبد ولا نعبد غيرك .
-          الاختصاص : أي اختصاص اسم الله بالابتداء وذلك بتقديمه المفعول وتأخير الفعل . حيث صرح بتقديمه غرادة للاختصاص والاهتمام .
-         التكرار والإعادة : إن سر تكرار " إياك " في الآية مرتين .
-         اسلوب التقديم والتأخير : قدم العبادة على الاستعانة , لأن العبادة له هي المقصودة , والاستعانة ثمرتها ووسيلة إليها . ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها . وقدم المفعول على الفعل للاهتمام والحزم والحصر , وشأن العرب تقديم الأهم , وقدم الضمير لحصر العبادة والاستعانة بالله وحده .
-         التعظيم : وكانه يقال للعبد : إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف , وجاهك عريض .
-         المساواة : وهو أن يكون اللفظ مساويا للمعنى بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص , والقرآن العظيم جله بل كله هذا النمط .

6-    وجوه بلاغية في قوله تعالى :  $tRÏ÷d$# xÞºuŽÅ_Ç9$# tLìÉ)tGó¡ßJø9$# ÇÏÈ 
-         الاستعارة التصريحية : هو ههنا كناية عن الدين لأن الدين مؤد إلى استيجاب الثواب واستدفاع العقاب فهو كالنهج المسلوك إلى مظنة السلامة .
-         الوصف : وصف الصراط بأنه مستقيم هو أقصر بعد بين نقطتين , ووجه الشبه بينهما أن الله سبحانه وإن كان متعاليا عن المكان , لكن العبد الطالب الوصول لا بد له من قطع المسافات , ليكرم بالوصول والموافاة . 

7-    وجوه بلاغية في قوله تعالى : xÞºuŽÅÀ tûïÏ%©!$# |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã
-         بدل من صراط المستقيم , وهو في حكم تكرير العامل , وفائدة البدل هنا للتوكيد لما فيه من التثنية والتكرير والبيان والإيضاح و والإشعار بإن الطريق المستقيم بيانه وتفسره : طريق المسلمين , ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده .
-         التفسير بعد الإبهام : وذلك في قوله تعالى :  ( xÞºuŽÅÀ tûïÏ%©!$# |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã )
-         وفيه تحنن ولطف : لما أسند الإنعام إلى الله وحذف الفاعل في حال الغضب والضلال : وهذا من أحسن البلاغة , إذ أسند الإنعام إلى الله في قوله :   (xÞºuŽÅÀ tûïÏ%©!$# |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã ). فزوى لفظ الغضب عنه تحننا ولطفا , وهذا غاية ما يصل إليه البيان .
-         باب المزلزل : وهو أن يكون في الكلام لفظة لو غير وضعها أو إعرابها تغير المعنى , ومنه قوله تعالى :( |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã  ) فلو ضمت التاء لاختل المعنى .
8-    Îوجوه بلاغية في قوله تعالى : Žöxî  ÅUqàÒøóyJø9$# óOÎgøn=tæ Ÿwur tûüÏj9!$žÒ9$# ÇÐÈ
-         هى بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى أن النعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال . ولك أن تجعله صفة للذين على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة , وهي نعمة الإيمان , وبين السلامة من غضب الله والضلال .
-         حسن المقطع : وذلك أن يختم المتكلم كلامه بكلام حسن السبك بديع المعنى , فإنه آخر ما يبقى في الذهن , ولأنه ربما حفظ من دون سائر الكلام , فيتعين أن يجتهد في رشاقته وحلاوته وجزالته , وجميع خواتم سور القرآن في غاية الحسن ونهاية الكمال , لأنها بين أدعية ووصيا وفرائض وقضايا وتحميد وتهليل إلى غير ذلك , وخاتمة سورة الفاتحة دعاء جميل :
$tRÏ÷d$# xÞºuŽÅ_Ç9$# tLìÉ)tGó¡ßJø9$# ÇÏÈ  xÞºuŽÅÀ tûïÏ%©!$# |MôJyè÷Rr& öNÎgøn=tã ÎŽöxî ÅUqàÒøóyJø9$# óOÎgøn=tæ Ÿwur tûüÏj9!$žÒ9$# ÇÐÈ  
-         التطبيق : ويسمى المطابقة والطباق والتكافؤ والتضاد : وذلك أن يجمع في الكلام بين متضادين مع مراعاة التقابل , بحيث لا يضم الاسم مع الفعل , ولا الفعل إلى الاسم .


 4- خاتمة

لا شك ولا ريب أن من تدبر الفاتحة الكريمة رأى من غزارة المعاني وجمالها , وروعة التناسب وجلاله ما يأخذ بلبه , ويضيء جوانب قلبه , بأسرار السورة البلاغة والدلالية بما لا حضر له . من قرأها بتدبر يجد نفسه أمام ربه , في معالم واضحة محددة يظهر فيها ملامح العلائق بينه خالقه , وأن أول هذه الملامح أن يبدأ القارئ أول يومه وأمره بالبسملة , ثم بالحمد لله على نعمه التي لا حضر لها , قال تعالى :  bÎ)ur (#rãès? spyJ÷èÏR «!$# Ÿw !$ydqÝÁøtéB 3 žcÎ) ©!$# Öqàÿtós9 ÒOÏm§ ÇÊÑÈ    فجميل نعم الله وآلائه بادية للعيان في تربيته للعلوالم جميعا , فمن أجال بصيرته في هذا المحيط الذي لا ساحل له , ثم تذكر هذه النعم الجزيلة والتربية الجليلة , وجد أنها ليست عن رغبة ولا رهبة , ولاكنها عن تفضل ورحمة .










المصادر والمراجع

ابن حجر العسقلاني. الحافظ أحمد.2000.  فتح الباري بشرح صحيح البخاري. بيروت: دار الفكر.
ابن كثير, الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل. 2000.  التفسير القرآن العظيم. الجيزة: مؤسسة قرطبة. 
الدرويش, محيي الدين. 1999. إعراب القرآن الكريم. بيروت, دمشيق : دار ابن كثير, ودار اليمامة.
  حسين بن أبي العز الهمذاني.1991. الفريد في إعراب القرآن المجيد. القاهرة: دار الثقافة.       
رضوان جمال حسين. 2005 .وجوه الدلالية وبلاغية من سورة الفاتحة. كوالا لمبور: الجامعة السلامية العالمية بماليزيا.
عبد الكريم الخطيب.1967. التفسير القرآني للقرآن. القاهرة: دار الفكر العربي.
محمد بن أبي بكر قيم الجوزية. 1990. الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان. بيروت: علم الاكتب.


                                                                                                                            


No comments:

Post a Comment